غادر الفيلم السينمائي الطويل “لامورا”، آخر أعمال المخرج الراحل محمد إسماعيل، القاعات السينمائية المغربية بعد مرور أقل من شهر واحد على عرضه، في خطوة فاجأت عددا من المتتبعين للشأن السينمائي الوطني، خاصة أن العمل كان من أكثر الإنتاجات التي حظيت بانتظار الجمهور والنقاد خلال الموسم الحالي لما يحمله من رمزية كبرى؛ كونه يختتم مسار واحد من أبرز مخرجي السينما المغربية.
وبعد العرض ما قبل الأول الذي احتضنته مدينة الدار البيضاء، بحضور أبطال الفيلم وثلة من أهل الفن والإعلام قبل أسبوعين، كان من المنتظر أن يحقق الشريط تفاعلا أكبر في صالات العرض المغربية، غير أن واقع الإقبال الجماهيري خالف كل التوقعات؛ إذ سرعان ما تم سحبه من القاعات بسبب ضعف الإقبال عليه، بعدما فشل في منافسة الأفلام الكوميدية التي تسيطر على شبابيك التذاكر منذ شهور وتجذب إليها جمهورا واسعا يفضل هذا اللون الفني الخفيف على باقي الأجناس السينمائية.
هذا الوضع يعيد إلى الواجهة نقاشا متكررا حول معايير نجاح الأعمال السينمائية داخل القاعات المغربية، حيث أصبحت الأفلام ذات الطابع التجاري أو الكوميدي تحافظ على حضورها لفترات طويلة وتصمد، مقابل انسحاب الأفلام الروائية أو التاريخية التي لا تجد طريقها بسهولة إلى الجمهور، رغم قيمتها الفنية والرسائل التي تحملها.
لا يرتبط هذا الإخفاق بجودة الفيلم أو بمستواه الإخراجي، بل يكشف عن مفارقة بنيوية يعيشها المشهد السينمائي المغربي، حيث بات الجمهور يميل بشكل متزايد إلى الأعمال الكوميدية الخفيفة التي توفر الترفيه الفوري، مقابل عزوف شبه جماعي عن الأفلام التي تتناول موضوعات الهوية والتاريخ والذاكرة الجماعية.
جدير بالذكر أن شريط “لامورا”، الذي كتب له السيناريو والحوار كل من مصطفى الشعبي ومحمد أمزاوري، يغوص في عمق التاريخ والذاكرة الجماعية من خلال حكاية “روزا”، شابة إسبانية من أصول مغربية تقرر العودة إلى بلد أجدادها بحثا عن جذورها العائلية، لتجد نفسها وسط رحلة إنسانية معقدة تتقاطع فيها مفاهيم الحب والهوية والتاريخ في زمن مضطرب ميزته الصراعات والخيانات.
يتقاسم بطولة الفيلم عدد من الأسماء البارزة في الساحة الفنية المغربية، من بينهم المهدي فولان، فرح الفاسي، حسن فولان، صلاح ديزان، عباس كميل، فاروق أزنابط، حميد البوكيلي، وعبد الإله إرمضان، إضافة إلى وجوه أخرى مثل محمد أمزاوري، جميلة سعد الله، نعمة بنعثمان، محمد عسو، هشام عبو، ومحمد بوغلاد، ما جعل العمل لوحة فنية جماعية تلتقي فيها أجيال مختلفة من الفنانين المغاربة.
وفي حوار سابق مع هسبريس، أوضحت الممثلة فرح الفاسي أن أحداث الفيلم تعود إلى سنة 1936، فترة الحرب الأهلية الإسبانية ضد الجنرال فرانكو، الذي لجأ إلى استقطاب شباب من المغرب وإشبيلية تحت شعار “تحرير المساجد الإسلامية”، في حين كان الهدف الحقيقي ضمان التفوق العسكري والسيطرة على الحكم. وأشارت إلى أن الفيلم لا يكتفي بسرد الأحداث التاريخية، بل يسعى إلى إظهار الجانب الإنساني في شخصياته من خلال قصة حب تنشأ بين شاب مغربي وفتاة إسبانية، تجمع بين الألم والأمل، وتعكس ما عاشه آلاف المغاربة خلال تلك المرحلة من استغلال وقهر.
وأضافت الفاسي أن الفيلم يميط اللثام عن حقائق غُيبت أو تم تحريفها في الوثائق الإسبانية، مبرزة أن المغاربة الذين تم تجنيدهم لم يكونوا “مرتزقة” كما صورتهم بعض المصادر، بل كانوا شبابا يافعين من مناطق الناظور وواد لاو والشمال المغربي، تم استدراجهم في زمن المجاعة مقابل مبالغ زهيدة و”المونة”، ليجدوا أنفسهم في جبهات القتال، حيث قتل العديد منهم أو أصيبوا بعاهات دائمة.
وأبرزت أن الفيلم يسعى أيضا إلى إعادة الاعتبار لهؤلاء الشباب الذين جرى استغلالهم باسم الدين والوطنية، في حين إنهم كانوا ضحايا واقع اقتصادي واجتماعي قاسٍ.
ورغم فشله التجاري، يظل فيلم “لامورا” شهادة فنية وإنسانية تعيد الاعتبار لمسيرة المخرج الراحل محمد إسماعيل، الذي ترك بصمته في تاريخ السينما المغربية بأعماله الملتزمة التي تناولت قضايا المجتمع المغربي بعمق وجرأة.