بالإضافة إلى الإعلان عن جوائز النسخة الثامنة من مهرجان السينما المغربية والتي عادت جائزتها الكبرى إلى فيلم «الراقد»، عرف الحفل الختامي الذي بثه التلفزيون المغربي مباشرة تفجير قنبلة من الحجم الكبير، عندما اتهم مخرج «الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء» محمد العسلي في كلمة له عند تسلم جائزته، المركز السينمائي بممارسة الإرهاب ضد الفن الحقيقي عبر إقبار الحريات، وخصوصاً تلك التي يناهض أصحابها المد الاختراقي للإمبيريالية العالمية والصهيونية للإبداع المغربي. مهرجان طنجة الذي أسدل الستار على فعالياته يوم السبت 10 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، تميز بتغليب الإنتاج السينمائي المغربي المهاجر الذي يقوده سينمائيون مغاربة مغتربين، على حساب السينما الوطنية المنشأ.
«الراقد » يحصد معظم الجوائز
نال فيلم «الراقد» للمخرجة المغربية ياسمين القصاري الجائزة الكبرى للمهرجان، مواصلاً رحلة التميز التي نال خلالها عدداً من الجوائز قاربت الأربعين في مختلف التظاهرات السينمائية عبر العالم. واستطاع الفيلم الذي حصد 3 جوائز خلال هذا المهرجان إقناع لجنة تحكيم الفيلم الطويل بعد 7 أيام من المنافسات بين 21 فيلماً مطولاً. فالجودة التقنية العالية للفيلم وموضوعه الاجتماعي المرتبط بواقع عيش النساء في الريف المغربي مكنت فيلم «الراقد» من الظفر أيضا بجائزة أحسن صوت التي عادت لهنري موريل، وجائزة أحسن دور نسائي للممثلة الجزائرية الأصل رشيدة البراكني. وأثناء تقديم النتائج، أكد الموسيقار المغربي عبدالوهاب الدكالي، الذي ناب عن رئيسة لجنة تحكيم الفيلم الطويل المنتجة وكاتبة السيناريو الإسبانية إيزولا باسولا، أن الفيلم قارب بعمق «إشكالية» ظروف المرأة في المغرب بجمالية رائعة، من خلال موضوع الطفل «الراقد». وبمقاربته الجمالية لحقبة معاصرة من تاريخ المغرب، تمكن فيلم «ذاكرة معتقلة» للجيلالي فرحاتي، من الحصول على الجائزة الخاصة للجنة التحكيم، فيما حصل الممثل محمد مجد على جائزة أحسن دور رجالي عن دور الأب في فيلم «السفر الكبير» لإسماعيل فروخي. وآلت جائزة العمل الأول لفيلم «فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق» لمخرجه محمد عسلي والذي حصد نحو 20 جائزة في المهرجانات العالمية، ومن النقاط القوية للفيلم السيناريو الدقيق والمتناسق، وهو ما مكنه من حصول على تتويج ثان من خلال جائزة أحسن سيناريو والذي أشرف على كتابته مخرج الفيلم نفسه. وكانت جائزة أحسن ثاني دور نسائي للممثلة سليمة بن مومن عن دورها في فيلم «خوانيتا بنت طنجة» للمخرجة فريدة بليزيد، بينما حصل الممثل عبدو مسناوي المشارك في فيلم «الطين جا» على جائزة أحسن ثاني دور رجالي. وعادت الجوائز المرتبطة بالجانب التقني للتقنيين الأجانب، إذ كانت جائزة أحسن مونتاج من نصيب تينا باز في فيلم «الرحلة الكبرى». أما جائزة أحسن تصوير فعادت إلى تييري لوبيغر في فيلم «باب البحر» لداود أولاد السيد، الفيلم نفسه حصل على أحسن موسيقى أصلية، التي كانت من تركيب محمد كراب. بخصوص الأفلام القصيرة التي بلغ عددها 40 فيلما قصيرا، منحت الجائزة الكبرى لمسابقة الأفلام القصيرة مناصفة بين «ويكاند» لرشيد حمان و«رقصة الجنين» لمحمد مفتكر، وهذا الأخير الذي حصل على جائزة أحسن سيناريو. ونظراً إلى كون مستوى الأفلام القصيرة المشاركة كان عاليا ومتقاربا، قررت لجنة تحكيم الفيلم القصير التي ترأسها الممثلة المغربية صوفيا هادي، منح تنويه خاص لفيلمين آخرين هما «قصة امرأة» لحميد فريدي و«كازا باي لوف» لأمين بنيس. وفيما يتعلق بجائزتي لجنة النقد التي شكلتها جمعية نقاد السينما في المغرب، عادت جائزة الفيلم الطويل إلى «يقظة» لمخرجه محمد زين الدين، فيما تقاسم جائزتي الفيلم القصير كل من «عثرة» للحسن زينون و«دم المداد» لليلى التريكي. ومنحت لجنة الصحافة التي أشرفت على إنشائها جمعية أفلام للنقاد والصحافيين السينمائيين جائزة الفيلم الطويل لفيلم ليلى المراكشي المثير للجدل «ماروك»، فيما آلت جائزة الفيلم القصيرة مرة أخرى لشريط لحسن زينون عن فيلمه «عثرة».
«العلمانيون» متطرفون وموالون للغرب
بالإضافة إلى الفيلم السينمائي «ماروك» الذي يصور حياة جنسية إباحية بين مغربيين (مسلمة ويهودي)، كان المخرج محمد العسلي نجم مهرجان طنجة. ففي بث حي ومباشر للتلفزيون المغربي من قاعة «روكسي» السينمائية، اتهم محمد العسلي وأمام أنظار كل من وزير الإعلام نبيل بن عبدالله، ووزير الثقافة الشاعر محمد الأشعري، مدير المركز السينمائي المغربي نورالدين الصايل، وبالاسم، بقيادة ما أسماه التطرف العاكس. وقال في كلمته عند تسلمه جائزتي العمل الأول وأحسن سيناريو: «إنني ورفقة كومندو الغالبية التي تبني هذا الوطن نتعرض لإرهاب كبير، وتعسف حقيقي على حقوق الإنسان في مهرجان مغربي وحصار ضد كل أشكال التعايش التي يفخر بها المغاربة». العسلي، وفي كلمته، وجه اتهاماً خطيراً إلى نورالدين الصايل الذي اعتبره يقود «بوليس سينمائي لإقبار الحريات واغتيال الحق في التعبير طيلة أيام المهرجان»، مذكراً بأنه لم يكن ينتظر أن يتوج بأية جائزة في مهرجان طنجة بسبب ما وصفه بإرهاب المنظمين له ولزملائه منذ وقوفه ضد المد الاختراقي للإمبريالية العالمية والصهيونية للإبداع المغربي، وإصرار بعض المسئولين على تهيؤ الظروف لهذا الاعتداء على الهوية المغربية، معللاً اتهامه هذا بـ «اهتمام مسئولي المهرجان وعلى رأسهم مدير المركز السينمائي المغربي، بفيلم (ماروك) للمخرجة الشابة ليلى المراكشي التي دافع عنها الصايل وعن فيلمها واعتبرها أذكى مخرجة في المغرب لأنها صورت فيلما يضاجع فيه يهودي مغربي مواطنة مغربية مسلمة». تصريحات العسلي لاقت اهتمام السينمائيين والإعلاميين المغاربة، إذ اعتبره البعض انتصر مرتين، الأولى عندما كسر الحصار وفاز بجائزتين من المهرجان، والثانية عندما قاد معركة وطنية ضد سياسة فتح الباب لكل ما هو أجنبي مقابل تجاهل الكفاءات المغربية والتضييق عليها.
سيطرة «السينما المهاجرة»
أجمع عدد من النقاد الذين تابعوا مهرجان طنجة السينمائي على أن أهم ما ميز المهرجان هو انفتاحه على الإبداعات السينمائية للمخرجين المغاربة المقيمين في الخارج، والتي جاءت بإضافات نوعية على المستوى التقني ستنعكس إيجابا على مستوى صناعة الفن السابع بالمغرب. في هذا الصدد، قال الناقد عمر بلخمار: «إن المخرجين المقيمين في الخارج زرعوا دماً جديداً في السينما المغربية وآمالاً لتطورها، وخصوصاً أن غالبية أفلامهم تمتاز بجودة تقنية عالية وبلمسات فنية تزيد من الطابع الجمالي للفيلم». وشدد رئيس جمعية نقاد السينما في المغرب خالد الدمون، على أن المخرجين المغاربة المقيمين في الخارج قدموا خصوصيات المجتمع المغربي وفق نظرتهم الخاصة للمجتمع والمتأثرة بتكوينهم والقيم التي تربوا عليها. وعزا هؤلاء النقاد جمالية أعمال هؤلاء المخرجين إلى المستوى التقني الرفيع الذي تمتاز به، سواء من حيث التصوير والمونتاج أو تقنيات تقطيع المشاهد وأماكن التصوير التي تم اختيارها بدقة، إضافة إلى الدعم المالي الكبير. ولم يمنع الجانب الجمالي الراقي لهذه الأفلام النقاد، بعد إقراراهم بحرية الإبداع وعدم وضع قيود أمامه، من إبداء بعض الملاحظات المتعلقة بالموضوعات التي تعالجها «السينما المهاجرة» التي تطرقت إلى بعض العادات الاجتماعية الدقيقة للمجتمع المغربي خلال مناسبات معينة.
ازمة موضوعات … وتشويه الواقع
وأشار الجعيدي في هذا الصدد، إلى أن أعمال المخرجين المغاربة المقيمين في الخارج «لاتزال تعاني من أزمة موضوع»، إذ إن غالبيتها، يضيف الناقد، «تعالج موضوع الرحلة من الشمال إلى الجنوب لإعادة اكتشاف الذات والهوية، وهي موضوعات غالباً ما يتم التطرق إليها من دون الاعتماد على مرجعية اجتماعية واقعية»، مستشهداً في هذا الصدد بموضوعي فيلم «الرحلة الكبرى» لإسماعيل فروخي، والذي يتطرق إلى رحلة من فرنسا إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج، وفيلم «الطين جا» لحسين كزولي، وهي رحلة عودة جثمان لرجل ميت من فرنسا إلى مسقط رأسه في المغرب. واعتبر الناقد عمر بلخمار أن «هؤلاء المخرجين المنفتحين على القيم الغربية يقدمون عن المغرب صورة على رغم أنها واقعية، فإنها ليست الصورة الجميلة التي يسعى السينمائيون المغاربة إلى تقديمها عن بلدهم في الخارج» مضيفا أنها «صورة قدحية تتطرق إلى جزئيات اجتماعية تحيل على بعض العادات السيئة وتتهكم على بعض المعطيات الدينية» في إشارة إلى سخرية إحدى ممثلات فيلم «ماروك» وهي تتجول في البيت شبه عارية من صديقها وهو يؤدي الصلاة. وأضاف أن «هناك تقاليد جميلة في المغرب، لم يتطرق إليها المخرجون الشباب الذين ركزوا على بعض العادات المغربية في مناسبات خاصة كالختان والحج والجنازة وغياب الزوج، وهي موضوعات صيغت في قوالب بعيدة كلياً عن الواقع الذي نعيشه اليوم». ويعتقد الناقد أن هذه الموضوعات يفرضها المنتج الأجنبي المساهم في هذه الأفلام والذي تروقه هذه الموضوعات، وقال: «لا أظن أن لهؤلاء الشباب حرية اختيار موضوعات أخرى للحصول على الدعم الأجنبي، أي أن المخرج المغربي المقيم في الخارج يجد نفسه مطالبا بالخضوع إلى هذه الشروط للحصول على التمويل». والرأي نفسه أبداه رئيس جمعية نقاد السينما في المغرب، الذي يرى أن المخرجين المقيمين في الخارج يجدون أنفسهم مجبرين على معالجة نوع من الموضوعات الاجتماعية المغربية الغريبة عن مخيلة المشاهد الغربي بسبب الإكراه المادي للمنتج الأجنبي الذي يكون حاضرا بقوة في اختيار الأفلام التي يقوم بإنتاجها. وأضاف أن المنتج الأجنبي لا يقدم دعماً مالياً من دون فرض شروطه، التي يكون أقلها مشاركة بعض الممثلين الأجانب في الفيلم، وهو ما ينعكس على الموضوع والسيناريو الذي قد يكون ناطقا بأكثر من لغة